تم النسخ!
ضربة الضاحية.. ما دلالة استهداف "رئيس أركان حزب الله"؟
في عملية نوعية هزت العاصمة اللبنانية بيروت، نفذ الجيش الإسرائيلي غارة جوية دقيقة استهدفت قلب الضاحية الجنوبية، معقلا أمنيا رئيسيا لحزب الله، معلنا عن استهدافه المباشر لمن وصفه برئيس أركان الحزب، علي الطبطبائي. هذه الضربة، التي أسفرت عن سقوط ضحايا بين قتيل وجريح، لا تمثل مجرد عملية عسكرية أخرى في سجل الصراع الطويل، بل تحمل في طياتها دلالات عميقة ورسائل متعددة، قد تعيد رسم قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيا بين الطرفين. إن استهداف شخصية بهذا المستوى في عقر دار الحزب يمثل تصعيدا غير مسبوق. من واقع خبرتنا في تحليل النزاعات الإقليمية، يمكن القول إن مثل هذه العمليات الجراحية لا تهدف فقط إلى تحقيق خسارة مادية للخصم، بل إلى إحداث صدمة معنوية ونفسية في بنيته القيادية.
تحليل شخصي: نرى أن هذه الضربة تتجاوز كونها ردا تكتيكيا، لتمثل تحولا استراتيجيا في العقيدة العسكرية الإسرائيلية تجاه حزب الله. فبدلا من استهداف مخازن أسلحة أو مواقع إطلاق صواريخ، انتقلت إسرائيل إلى "قطع رأس الأفعى"، مستهدفة بشكل مباشر العقول المدبرة والقيادات العسكرية العليا. هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر جمة، لكنها تعكس قناعة إسرائيلية بأن الردع التقليدي لم يعد كافيا، وأن الطريقة الوحيدة لتقويض قدرات الحزب هي شل هرمه القيادي، وهو ما يفتح الباب أمام جولة جديدة من العنف قد تكون أكثر خطورة.
![]() |
| الدخان يتصاعد من مبنى في الضاحية الجنوبية بعد الغارة الإسرائيلية |
في هذا المقال، نحلل الأبعاد المختلفة لضربة الضاحية، ونتعمق في هوية علي الطبطبائي وأهميته داخل الحزب، ونستكشف الرسائل التي أرادت إسرائيل إيصالها، وتأثير هذا التصعيد على مستقبل الصراع في لبنان والمنطقة.
كسر المحرمات: استهداف قلب المربع الأمني
لطالما اعتبرت الضاحية الجنوبية لبيروت "حصنا منيعا" ومركزا عصبيا لحزب الله، حيث تتركز مؤسساته الأمنية والاجتماعية والسياسية. إن تنفيذ عملية اغتيال بهذا المستوى في هذه المنطقة شديدة التحصين يمثل اختراقا أمنيا واستخباراتيا كبيرا، ورسالة واضحة بأنه لا يوجد مكان آمن لقيادات الحزب.[4]
الدلالات الرئيسية لاستهداف الضاحية:
- تغيير قواعد الاشتباك: تجاهلت إسرائيل الخطوط الحمراء التي كانت تحكم الصراع، والتي تجنبت استهداف القيادات العليا في بيروت لتفادي حرب شاملة.
- تفوق استخباراتي: تظهر العملية قدرة إسرائيل على تحديد مكان وهدف بهذه الأهمية وتنفيذ الهجوم بدقة، مما يبعث برسالة ردع قوية.
- ضغط نفسي على القيادة: الهدف هو جعل كل قيادي في حزب الله يشعر بأنه هدف مشروع ومحتمل، مما يقيد حركتهم ويؤثر على عملية صنع القرار.
وهذا يشبه الحادثة التي حدثت في بغداد عام 2020، عندما استهدفت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. كلا العمليتين تمثلان استهدافا مباشرا لشخصيات عسكرية ذات وزن استراتيجي كبير، وليس مجرد قادة ميدانيين. مثل هذه الاغتيالات تهدف إلى إرباك هيكل القيادة والسيطرة لدى الخصم وإجباره على إعادة تقييم حساباته الاستراتيجية بالكامل.
من هو علي الطبطبائي؟ وما أهميته لحزب الله؟
بحسب التقارير الإسرائيلية، يعتبر علي الطبطبائي شخصية محورية في الهيكل العسكري لحزب الله، حيث يشغل منصب رئيس الأركان، مما يجعله فعليا الرجل الثاني في الجناح العسكري بعد الأمين العام حسن نصر الله. اغتياله، إن تأكد رسميا من قبل الحزب، سيمثل الخسارة الأكبر للحزب على المستوى القيادي منذ سنوات.[5]
| المنصب | المهام والأهمية الاستراتيجية |
|---|---|
| رئيس الأركان (المزعوم) | مسؤول عن التخطيط والتنسيق والإشراف على كافة العمليات العسكرية للحزب، بما في ذلك الوحدات الصاروخية والقوات الخاصة (قوة الرضوان). |
| العقل المدبر | يعتقد أنه كان العقل الاستراتيجي وراء تطوير القدرات العسكرية للحزب وتكتيكاته القتالية على مدى العقدين الماضيين. |
| حلقة الوصل | يعتبر حلقة وصل رئيسية مع الحرس الثوري الإيراني والفصائل الأخرى المتحالفة في المنطقة، مما يجعل خسارته ضربة لشبكة التحالفات الإقليمية. |
أكدت مصادر متعددة، بما في ذلك تقرير لموقع "أكسيوس" نقلا عن مسؤولين، أن الجيش الإسرائيلي يؤكد مقتل الطبطبائي، مما يضفي مصداقية أكبر على أهمية الهدف.[6]
التداعيات المحتملة: هل المنطقة على شفا حرب؟
إن اغتيال شخصية بهذا الحجم يضع حزب الله أمام خيارات صعبة. فالصمت أو الرد المحدود قد يفسر على أنه ضعف ويشجع إسرائيل على المزيد من الاستهدافات، بينما الرد القوي والمباشر قد يجر لبنان والمنطقة إلى حرب شاملة لا يبدو أن أحدا مستعد لها في الوقت الحالي.
تحليل شخصي: نرى أن حزب الله سيحاول على الأرجح انتهاج "الصبر الاستراتيجي"، مع تنفيذ رد مدروس ومؤلم لكنه محسوب بدقة لتجنب الانزلاق إلى حرب واسعة. قد يكون الرد عبر استهداف هدف عسكري إسرائيلي نوعي أو شخصية أمنية، أو ربما عبر الساحات الأخرى التي ينشط فيها حلفاؤه. الهدف سيكون إعادة فرض معادلة الردع دون تدمير البلاد.
تراقب الأوساط الدولية والإقليمية بقلق شديد رد فعل الحزب، الذي لم يصدر بعد بيانا رسميا يؤكد أو ينفي هوية المستهدف. كما أن التغطية الإعلامية المكثفة من قبل منصات مثل ربخا نيوز تايم الإخبارية | بوابة إعلامية شاملة تزيد من الضغط على جميع الأطراف وتجعل من الصعب احتواء الموقف بعيدا عن الأضواء.
في الختام، تمثل ضربة الضاحية نقطة تحول فارقة في الصراع بين إسرائيل وحزب الله. إنها ليست مجرد عملية اغتيال، بل هي إعلان عن مرحلة جديدة من المواجهة المفتوحة التي يتم فيها استهداف البنية القيادية بشكل مباشر. تداعيات هذه الضربة ستتضح في الأيام والأسابيع المقبلة، وستعتمد بشكل كلي على طبيعة رد حزب الله وقدرة اللاعبين الإقليميين والدوليين على لجم هذا التصعيد العسكري. لكن الأكيد أن ضربة الضاحية قد فتحت صندوق "باندورا" في الشرق الأوسط، والمخاوف من حرب إقليمية أصبحت الآن أكثر واقعية من أي وقت مضى، مما يجعل من ضربة الضاحية حدثا محوريا في تاريخ المنطقة الحديث.


















