تم النسخ!
حكم قضائي يلزم مواطنا برد أموال حولت له بالخطأ: انتصار للحق في عصر المدفوعات الرقمية
في واقعة قضائية هامة تعكس مواكبة القضاء المصري لتطورات العصر الرقمي وتحدياته، أصدرت محكمة الأقصر الابتدائية حكما تاريخيا يعيد الحق لأصحابه في قضايا التحويلات المالية الخاطئة. القضية التي شغلت الرأي العام بدأت عندما قام أحد الأشخاص بتحويل مبلغ مالي كبير عن طريق الخطأ عبر أحد تطبيقات الدفع الإلكتروني الشهيرة إلى رقم هاتف لا يخصه. ورغم المحاولات الودية المتكررة لاستعادة المبلغ، رفض المتلقي إعادة المال، مما اضطر صاحب الحق للجوء إلى ساحات القضاء، ليصدر الحكم بإنصافه وإلزام المدعى عليه برد المبلغ كاملا مع التعويض.
تحليل شخصي: نرى أن هذا الحكم يمثل حجر زاوية جديدا في تنظيم التعاملات المالية الإلكترونية في مصر. فمع انتشار تطبيقات مثل "إنستا باي" والمحافظ الإلكترونية، زادت معدلات الأخطاء البشرية في كتابة أرقام الهواتف أو الحسابات. هذا الحكم يرسل رسالة طمأنينة للمستخدمين بأن القانون يحمي أموالهم حتى في حالات الخطأ الشخصي، ورسالة ردع لكل من تسول له نفسه الاستيلاء على مال الغير مستغلا ثغرة تقنية أو خطأ بشريا، مؤكدا أن الذمة المالية للأفراد مصانة بقوة القانون.[1]
![]() |
| محكمة الأقصر تلزم مستفيدًا برد 50 ألف جنيه وتعويض 7 آلاف جنيه للمتضرر |
تفاصيل الواقعة: من خطأ رقمي إلى نزاع قضائي
تعود تفاصيل القضية إلى قيام مواطن بإجراء عملية تحويل مالي إلكتروني، ولكنه أخطأ في إدخال بيانات المستفيد، لتذهب الأموال إلى شخص آخر لا تجمعه به أي صلة. وكما هو الحال في المعاملات الإنسانية، حاول المدعي التواصل مع المتلقي (المدعى عليه) لحل الأمر وديا واسترداد أمواله، إلا أنه فوجئ بتعنت ورفض قاطع من الطرف الآخر، بل وامتناع تام عن الرد، معتبرا أن الخطأ خطأ المرسل وأن المال أصبح من حقه.
أمام هذا التعنت، لم يجد المواطن سبيلا سوى اللجوء للقضاء المصري العادل، مقدما كافة المستندات التي تثبت إتمام عملية التحويل، وتوقيتها، وجهة الاستقبال، بالإضافة إلى ما يثبت محاولاته للتواصل مع المدعى عليه وفشل الحلول الودية. استند المدعي في دعواه إلى أن احتفاظ المتلقي بالمبلغ هو استيلاء على مال الغير دون وجه حق.[2]
| البند | التفاصيل |
|---|---|
| قيمة المبلغ المحول | 50,000 جنيه مصري |
| قيمة التعويض المحكوم به | 7,000 جنيه مصري (مادي وأدبي) |
| الفائدة القانونية | 4% من تاريخ المطالبة حتى السداد |
| المحكمة المصدرة للحكم | محكمة الأقصر الابتدائية |
حيثيات الحكم: الإثراء بلا سبب وتأصيل الحماية القانونية
جاءت حيثيات حكم محكمة الأقصر الابتدائية لتؤسس لمبدأ قانوني راسخ، وهو "الإثراء بلا سبب". وأكدت المحكمة في أسباب حكمها أن مجرد وصول المال إلى حساب المدعى عليه نتيجة خطأ من المدعي لا يعطيه الحق في تملكه. فالقانون المدني المصري واضح في هذه النقطة: كل من تسلم ما ليس مستحقا له وجب عليه رده.
وهذا يشبه المبدأ الأخلاقي والقانوني الذي يحكم العثور على اللقطة، ولكن في العالم الرقمي. فكما أن العثور على محفظة في الشارع لا يبيح لمن وجدها الاحتفاظ بها، فإن دخول أموال "إلكترونية" إلى حسابك بالخطأ لا يحلل لك صرفها، بل يضعك تحت طائلة المسؤولية القانونية إذا امتنعت عن ردها لأصحابها.[3]
وشددت المحكمة على أن تصرف المدعى عليه وامتناعه عن الرد قد ألحق أضرارا بالغة بالمدعي، تمثلت في:
- أضرار مادية: حرمانه من الانتفاع بماله لفترة طويلة، مما قد يكون أثر على التزاماته المالية الأخرى.
- أضرار نفسية وأدبية: الشعور بالقهر والظلم نتيجة الاستيلاء على ماله، والجهد والضغط العصبي الذي بذله في سبيل استرداد حقه عبر إجراءات التقاضي.
بناء على ذلك، لم تكتف المحكمة بإلزام المتلقي برد المبلغ الأصلي (50 ألف جنيه)، بل ألزمته بدفع فائدة قانونية بنسبة 4% تعويضا عن تأخير السداد، بالإضافة إلى 7 آلاف جنيه كتعويض شامل عن الأضرار المادية والأدبية، ليكون الحكم رادعا وعادلا في آن واحد.[4]
دروس مستفادة: كيف تحمي نفسك في التعاملات الرقمية؟
تعد هذه الواقعة جرس إنذار ودرسا هاما لجميع مستخدمي تطبيقات الدفع الإلكتروني في مصر. مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا المالية، يجب اتباع إجراءات وقائية صارمة لتجنب الوقوع في مثل هذه الأزمات، ومعرفة الخطوات الصحيحة في حال حدوث الخطأ.
نصائح لتجنب أخطاء التحويل:
- مراجعة البيانات بدقة: التأكد من رقم الهاتف أو رقم الحساب أكثر من مرة قبل الضغط على زر التأكيد.
- استخدام QR Code: يفضل استخدام مسح رمز الاستجابة السريعة (QR Code) بدلا من الكتابة اليدوية للأرقام لتقليل نسبة الخطأ.
- التحويل التجريبي: في حالة تحويل مبالغ كبيرة، قم بتحويل مبلغ رمزي صغير أولا للتأكد من وصوله للشخص الصحيح، ثم حول باقي المبلغ.
ماذا تفعل إذا حولت أموالا بالخطأ؟
- الاحتفاظ بلقطة شاشة (Screenshot) لعملية التحويل ورقم العملية.
- التواصل فورا مع خدمة العملاء للبنك أو التطبيق المستخدم لإبلاغهم بالواقعة ومحاولة تجميد المبلغ إذا أمكن.
- تحرير محضر شرطة في مباحث الإنترنت لإثبات الحالة رسميا.
- رفع دعوى قضائية مدنية (دعوى استرداد ما دفع بلا حق) مدعومة بكافة المستندات، كما حدث في الواقعة المذكورة.
تحليل شخصي: نرى أن الوعي القانوني لا يقل أهمية عن الوعي التقني. الكثير من الأشخاص قد ييأسون ويعتقدون أن أموالهم ضاعت للأبد بمجرد ضغط زر "إرسال". لكن هذا الحكم يثبت أن القضاء هو الملاذ الآمن، وأن النفس الطويل في المطالبة بالحق يؤتي ثماره، خاصة مع وجود نصوص قانونية واضحة تجرم الاستيلاء على مال الغير.[1]
في الختام، يمثل حكم محكمة الأقصر انتصارا لقيم العدالة والأمانة في المجتمع، وتأكيدا على أن التطور التكنولوجي لا يعني غياب المظلة القانونية. إن إلزام المستفيد برد المال مع الفائدة والتعويض هو رسالة قوية بأن "المال السايب" في العصر الرقمي لا يعلم السرقة، بل يعلم المساءلة القانونية. لذا، وجب على الجميع تحري الدقة في تعاملاتهم، وعلى من يصله مال بالخطأ أن يبادر برده فورا إبراء لذمته وتجنبا للمساءلة القضائية والغرامات المالية.


















