تم النسخ!
باحثون ألمان يكتشفون طفرة جينية قد تكون مسؤولة عن الأمراض العقلية
![]() |
| الاكتشاف الجديد قد يغير طريقة فهمنا وتشخيصنا للاضطرابات النفسية |
في اختراق علمي قد يعيد تشكيل فهمنا للأساس البيولوجي للأمراض العقلية، توصل فريق من الباحثين في ألمانيا إلى أن طفرات في جين واحد محدد، وهو "GRIN2A"، قد تكون مسؤولة بشكل مباشر عن الإصابة بعدد من الاضطرابات النفسية، بما في ذلك الفصام والاكتئاب. هذا الاكتشاف، الذي نشرته دورية "Molecular Psychiatry" المرموقة، يتحدى الفكرة السائدة بأن الأمراض العقلية تنجم حصرا عن تفاعل معقد بين عوامل وراثية وبيئية متعددة، ويفتح الباب أمام إمكانية تطوير أساليب جديدة للتشخيص المبكر والعلاج الموجه.
تحليل شخصي: نرى أن أهمية هذا الاكتشاف لا تكمن فقط في تحديد جين جديد، بل في تقديم دليل على وجود "جين رئيسي" يمكن أن يكون له تأثير حاسم بمفرده. هذا يمثل نقلة نوعية في علم الوراثة النفسية. إذا كانت الاضطرابات العقلية المعقدة يمكن أن تنجم أحيانا عن طفرة في جين واحد، فهذا يعني أننا قد نكون على أعتاب تطوير علاجات جينية أو دوائية تستهدف هذا المسار البيولوجي المحدد بدقة، وهو ما قد يكون أكثر فاعلية من العلاجات الحالية التي تتعامل مع الأعراض بشكل عام.[12]
يسلط هذا المقال الضوء على تفاصيل الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة لايبزيج، ويناقش الآثار المحتملة لهذا الاكتشاف على مستقبل الطب النفسي.
دراسة جامعة لايبزيج: من الارتباط إلى السببية
قاد فريق البحث في معهد أبحاث الهندسة الوراثية بجامعة لايبزيج دراسة شملت تحليل البيانات الجينية لـ 121 شخصا لديهم تغيرات وطفرات في جين GRIN2A. وقال الباحث يوناس ليمكه، رئيس فريق الدراسة، إن النتائج تشير إلى أن "GRIN2A هو أول جين معروف يمكن أن يتسبب بمفرده في حدوث الأمراض العقلية".[22]
اللافت في نتائج الدراسة هو أن الطفرات المرتبطة بهذا الجين لا تقتصر على الفصام وحده، بل تمتد لتشمل اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب والقلق، وأن الأعراض قد تظهر في سن مبكرة كالطفولة والمراهقة، وهو ما يختلف عن النمط المعتاد لظهور مثل هذه الأمراض.
| الاكتشاف | الأهمية |
|---|---|
| تحديد جين GRIN2A | أول جين قد يكون سببا مباشرا ومنفردا للاضطرابات النفسية. |
| ارتباطه بأمراض متعددة | يشير إلى وجود آلية بيولوجية مشتركة بين الفصام والاكتئاب. |
| ظهور الأعراض مبكرا | يفتح الباب لإمكانية التشخيص والتدخل العلاجي المبكر. |
كيف يؤثر جين GRIN2A على الدماغ؟
يلعب جين GRIN2A دورا حيويا في وظائف الدماغ، حيث إنه مسؤول عن إنتاج جزء من مستقبلات "NMDA"، وهي جزيئات أساسية في عملية نقل الإشارات بين الخلايا العصبية.
وهذا يشبه وجود "مفتاح تحكم" رئيسي في شبكة كهربائية معقدة. إذا حدث خلل في هذا المفتاح، فإن ذلك لا يؤثر على مصباح واحد، بل قد يسبب اضطرابا في تدفق الكهرباء في الشبكة بأكملها. وبالمثل، فإن الطفرة في جين GRIN2A تؤدي إلى خلل في عمل مستقبلات NMDA، مما يسبب اضطرابا واسع النطاق في الاتصالات العصبية، وهو ما قد يفسر ظهور أعراض نفسية متنوعة.[20]
كان من المعروف سابقا أن هذا الجين يرتبط بحالات عصبية مثل الصرع وبعض الإعاقات الذهنية. لكن الجديد في هذه الدراسة هو إثبات أن بعض الطفرات فيه قد تؤدي إلى أعراض نفسية حصرية، دون وجود مشاكل عصبية أخرى واضحة.
الآثار المستقبلية: نحو تشخيص وعلاج أفضل
يحمل هذا الاكتشاف وعودا كبيرة لمستقبل الطب النفسي، والذي يعتمد حاليا بشكل كبير على التشخيص القائم على الأعراض السريرية.
الآثار المحتملة تشمل:
- التشخيص الجيني: قد يصبح من الممكن استخدام الفحص الجيني لتحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة بهذه الأمراض، حتى قبل ظهور الأعراض.
- العلاج الموجه: تطوير أدوية تستهدف بشكل خاص الخلل في مستقبلات NMDA الناجم عن طفرة GRIN2A.
- إزالة وصمة العار: إثبات وجود أساس بيولوجي واضح لبعض الأمراض العقلية قد يساهم في تقليل وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بها.
بالفعل، أشار الباحثون إلى وجود تجارب علاجية مبكرة باستخدام مكملات تهدف إلى تنشيط مستقبلات NMDA، وقد أظهرت تحسنا ملحوظا لدى بعض المرضى، مما يعطي أملا في إمكانية ترجمة هذا البحث إلى علاجات فعالة في المستقبل.
تحليل شخصي: على الرغم من أن هذا الاكتشاف ثوري، إلا أنه من المهم توخي الحذر. فالأمراض العقلية ظواهر معقدة للغاية، ومن غير المرجح أن يكون جين واحد هو التفسير الوحيد لجميع الحالات. هذا الاكتشاف قد يفسر مجموعة فرعية من المرضى الذين لديهم هذه الطفرة المحددة. الطريق لا يزال طويلا من البحث المختبري إلى التطبيق السريري، ولكن ما لا شك فيه هو أن هذه الدراسة تمثل خطوة هائلة إلى الأمام في رحلة فك شفرة الدماغ البشري.
في الختام، يمثل تحديد جين GRIN2A كعامل مسبب محتمل ومباشر لبعض الأمراض العقلية نقطة تحول واعدة في مجال الطب النفسي. فبينما يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من هذه الاضطرابات، يقدم هذا الاكتشاف أملا جديدا في فهم أعمق لبيولوجيا المرض، ويفتح آفاقا مستقبلية لتشخيص أدق وعلاجات أكثر فاعلية وتخصيصا، مما قد يغير حياة الكثيرين في العقود القادمة.


















