تم النسخ!
رحيل زغلول النجار: إرث من الجدل بين العلم والإيمان
في العاصمة الأردنية عمان، أسدل الستار على مسيرة حافلة بالعطاء والجدل، برحيل العالم الجيولوجي والداعية الإسلامي المصري الدكتور زغلول النجار عن عمر ناهز 92 عاما. يُعد النجار واحدا من أبرز الشخصيات التي كرست حياتها لمشروع "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة"، وهو المشروع الفكري الذي حاول من خلاله إثبات وجود حقائق علمية حديثة في النصوص الدينية الإسلامية. ترك رحيله فراغا في الساحة الفكرية، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول مشروعه الذي حظي بشعبية جارفة بقدر ما أثار من انتقادات أكاديمية. وبصفتنا متابعين للتيارات الفكرية في العالم العربي، فإن مسيرة النجار تمثل ظاهرة ثقافية تستحق التأمل والدراسة.
تحليل شخصي: نرى أن ظاهرة زغلول النجار تكمن في قدرته على مخاطبة حاجة نفسية عميقة لدى قطاعات واسعة من المسلمين في العصر الحديث؛ وهي الحاجة إلى التوفيق بين إيمانهم الديني ومنجزات العلم الحديث التي تبدو أحيانا متناقضة. لقد قدم لهم النجار خطابا يمنحهم شعورا بالفخر واليقين، مؤكدا أن دينهم لم يكن بمعزل عن حقائق الكون. وبغض النظر عن مدى دقة منهجه العلمي، فقد نجح في أن يكون "المُبسط" الذي جعل من العلم أداة لتعزيز الإيمان لدى الملايين.[1]
![]() |
| الدكتور زغلول النجار، مسيرة حافلة بين الجيولوجيا وتفسير الإعجاز العلمي |
مسيرته العلمية والأكاديمية
قبل أن يعرفه الجمهور كداعية للإعجاز العلمي، كان لزغلول النجار مسيرة أكاديمية مرموقة كعالم جيولوجيا. تخرج في كلية العلوم بجامعة القاهرة، وحصل على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ويلز في بريطانيا عام 1963. عمل في شركات نفط وأستاذا جامعيا في العديد من الجامعات العربية والعالمية، مثل جامعة الملك سعود في الرياض، جامعة قطر، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
له أكثر من 150 بحثا منشورا في مجلات علمية عالمية محكّمة في مجال الجيولوجيا، مما يمنحه مصداقية علمية في تخصصه الأصلي. هذه الخلفية الأكاديمية الصلبة هي التي أعطت لمشروعه الدعوي لاحقا وزنا وقوة إقناع لدى جمهوره.[2]
مشروع الإعجاز العلمي في القرآن: أبرز الأفكار
كانت الفكرة المحورية لمشروع النجار هي أن القرآن الكريم والسنة النبوية يحتويان على إشارات دقيقة لحقائق علمية لم تكن معروفة في زمن نزول الوحي، ولم يتم اكتشافها إلا بواسطة العلم الحديث. واعتبر أن هذا "السبق العلمي" للنصوص الدينية هو دليل مادي على مصدرها الإلهي.
من أشهر الأمثلة التي ساقها في كتبه ومحاضراته:
- الجبال كأوتاد: ربط بين قوله تعالى "والجبال أوتادا" وبين الاكتشاف الجيولوجي بأن للجبال جذورا عميقة في باطن الأرض تعمل على تثبيت القشرة الأرضية.
- توسع الكون: استشهد بقوله تعالى "والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون" كإشارة إلى حقيقة توسع الكون التي اكتشفها الفلكيون في القرن العشرين.
- الحديد من السماء: فسر قوله تعالى "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد" بأن الحديد في أصله لم يتكون على الأرض، بل جاء من الفضاء عبر النيازك، وهي حقيقة علمية ثابتة.
وهذا يشبه إلى حد كبير عمل الطبيب الفرنسي موريس بوكاي في كتابه "الكتاب المقدس والقرآن والعلم"، الذي يعتبر من رواد هذا التيار. لكن الفارق أن النجار، بفضل لغته العربية المبسطة وحضوره الإعلامي القوي، نجح في إيصال هذه الأفكار إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور العربي والمسلم، محولا إياها من نقاش نخبوي إلى ثقافة شعبية واسعة الانتشار.[3]
النقد الموجه له: بين التوفيقية والمنهج العلمي
رغم الشعبية الكبيرة، واجه مشروع الإعجاز العلمي، وتحديدا منهج الدكتور النجار، انتقادات من اتجاهين رئيسيين.
- نقد من العلماء والأكاديميين: يرى هؤلاء أن منهج النجار يقوم على "لي أعناق النصوص" لتتوافق مع النظريات العلمية. كما أن العلم متغير بطبيعته، والنظريات تتطور وتُدحض، وربط النص الديني الثابت بنظرية علمية متغيرة قد يؤدي إلى الحرج إذا ثبت خطأ هذه النظرية مستقبلا.
- نقد من بعض المفكرين الإسلاميين: يرى هذا الفريق أن الهدف الأساسي للقرآن هو الهداية والإرشاد الأخلاقي والروحي، وليس كتابا في العلوم الطبيعية. وأن محاولة البحث عن إعجاز علمي فيه قد تحرف الأنظار عن مقاصده الأساسية.
هذا الجدل الفكري غالبا ما يتم تناوله في وسائل الإعلام التي تهتم بالقضايا الفكرية، مثلما تفعل منصة ربخا نيوز تايم الإخبارية | بوابة إعلامية شاملة، التي تسعى لتقديم وجهات نظر متعددة حول القضايا الشائكة.[5]
إرث زغلول النجار وتأثيره
ونرى أن إرث زغلول النجار الحقيقي لا يكمن في حسمه لقضية علاقة العلم بالدين، بل في فتحه لباب النقاش على أوسع نطاق. لقد دفع الملايين من الشباب إلى القراءة والبحث في مجالات علمية لم يكونوا ليهتموا بها لولا ربطها بالنص الديني. لقد خلق حالة من "الفضول العلمي" لدى جمهوره، وهذا بحد ذاته إنجاز ثقافي مهم، حتى لو لم نتفق مع منهجيته أو استنتاجاته.
سيظل الدكتور زغلول النجار شخصية بارزة في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر. هو العالم الذي استخدم تخصصه لخدمة دعوته، والداعية الذي حاول بناء جسر بين ضفتي العلم والإيمان. ورغم أن هذا الجسر كان موضع جدل، إلا أنه كان ممرا عبره الملايين في رحلتهم للبحث عن اليقين في عالم مضطرب. يبقى إرثه شاهدا على مرحلة مهمة من تاريخ تفاعل المسلمين مع الحداثة وتحدياتها الفكرية.[4]
















