القائمة الرئيسية

الصفحات

جارٍ تحميل البيانات...
جديد
إكتشف مواضيع متنوعة

جاري تحميل المواضيع...
×

إقرأ الموضوع كاملاً من المصدر
فيديوهات من قلب الحدث

المحكمة الدستورية العليا: تأكيد دستورية عقوبات السب والقذف إعلاميًا

+حجم الخط-

تم النسخ!

حكم تاريخي للمحكمة الدستورية: دستورية عقوبات السب والقذف بالنشر في مصر

في سياق ترسيخ دعائم دولة القانون وحماية الحقوق والحريات، أصدرت المحكمة الدستورية العليا في مصر، برئاسة المستشار بولس فهمي، حكمًا مفصليًا برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية المواد (302/1، 3 و303/1 و306 و307) من قانون العقوبات، تلك المواد التي تتعلق بعقوبات السب والقذف عن طريق النشر. هذا القرار القضائي الهام يؤكد على مبدأ أساسي يتمثل في الموازنة الدقيقة بين حرية التعبير وصون الكرامة الإنسانية والحقوق الشخصية، وهو ما يمثل تحديًا مستمرًا في المجتمعات الحديثة. من خلال متابعتي الدقيقة للتطورات القانونية وتحليل الأحكام القضائية على مر سنوات، يتضح أن هذا الحكم لا يعزز فقط حماية الأفراد من التشهير، بل يضع أيضًا إطارًا واضحًا للحدود المسؤولة للتعبير في الفضاء العام والرقمي. تتجلى أهمية هذا الحكم في تفصيلاته التي ترسخ مبدأ احترام الكرامة كقيمة دستورية عليا، لا يمكن التنازل عنها تحت أي مسمى من مسميات حرية التعبير المطلقة.

قرار المحكمة الدستورية العليا
المحكمة الدستورية العليا تؤكد دستورية عقوبات السب والقذف

يأتي هذا الحكم ليؤكد على الثوابت القانونية والدستورية في مصر، والتي تضع الكرامة الإنسانية في مصاف الحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها. فالدستور المصري لم يقتصر على مجرد النص على هذه الحقوق، بل ألزم الدولة بكافة تشريعاتها بصونها وحمايتها، مما يفرض على المشرع وضع قوانين تجرم أي اعتداء عليها. هذا التوجه يعكس فهمًا عميقًا لدور القانون في بناء مجتمع يحترم أفراده ويصون كرامتهم، ويحد من الممارسات التي قد تؤدي إلى تشويه السمعة أو الإساءة للأشخاص دون وجه حق.

تفاصيل حكم المحكمة الدستورية: صون الكرامة الإنسانية كقيمة عليا

أقامت المحكمة الدستورية العليا قضاءها على مبادئ راسخة تؤكد أن الدستور قد ألقى على الدولة التزامًا صريحًا بصون الكرامة الإنسانية عبر كافة تشريعاتها، مما يحول دون المساس بها ويدعو إلى حمايتها والذود عنها. هذا الالتزام الدستوري يعني أن كل إنسان يعيش على أرض الوطن له الحق المطلق في صون كرامته. وتعتبر المحكمة أن الاعتداء على الكرامة الإنسانية، بأي فعل يوجب عقاب المجني عليه أو احتقاره في مجتمعه، هو عمل مؤثم يستدعي العقاب، طالما وقع هذا الاعتداء خارج الحدود التي أباح فيها المشرع الطعن بسلامة نية في أعمال الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة أو الشخص ذي الصفة النيابية العامة.

المحكمة شددت على أن الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (302) من قانون العقوبات قد أكد على إعلاء مبدأ الكرامة الإنسانية وصونها، مؤثرًا ذلك على ما قد يحققه إثبات القذف في حق آحاد الناس من عقاب المجني عليه عن وقائع، وإن صح اقترافه لها. هذا المبدأ مستمد من قاعدة شرعية وقانونية أساسية حاصلها أن "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة". فالمحكمة أيقنت أن المساس بالكرامة الإنسانية يلحق بالمجني عليه ضررًا جسيمًا يصعب جبره أو تداركه، مما يجعل حماية الكرامة أولوية قصوى. هذا التفسير العميق لا يكتفي بمنع الضرر المباشر، بل يمتد ليشمل الأضرار النفسية والاجتماعية التي قد تنتج عن السب والقذف، والتي غالبًا ما تكون أشد وأعمق أثرًا. فالقانون هنا لا يعاقب على الكذب فقط، بل على الفعل الذي يمس الكرامة حتى لو كان صحيحًا إذا تجاوز الحدود المقررة.

ويأتي هذا التأكيد الدستوري في وقت تتزايد فيه تحديات النشر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت الإساءة والتشهير أسهل انتشارًا وأصعب سيطرة، مما يجعل دور القضاء في حماية الأفراد من هذه التجاوزات أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالقرار يؤسس لثقافة مجتمعية تحترم الخصوصية والكرامة، وتدفع نحو استخدام حرية التعبير بمسؤولية ووعي، بعيدًا عن الإفلات من العقاب تحت دعاوى الحرية المطلقة.

أهم المبادئ الدستورية التي استند إليها حكم المحكمة

لتبسيط فهم الأسس التي قام عليها حكم المحكمة الدستورية العليا، يمكن تلخيص أهم المبادئ الدستورية التي تم الاستناد إليها في النقاط التالية.

المبدأ الدستوري الشرح
صون الكرامة الإنسانيةالتزام الدولة بحماية كرامة الأفراد ومنع المساس بها بأي تشريع أو فعل.
حدود حرية التعبيرحرية الرأي والتعبير ليست مطلقة ولا تجيز الاعتداء على الكرامة أو الحياة الخاصة.
دفع الضرر مقدم على جلب المنفعةتغليب حماية الأفراد من الأضرار الجسيمة (المساس بالكرامة) حتى لو ترتب على ذلك عدم كشف وقائع معينة.
دستورية العقوباتالعقوبات المقررة في قانون العقوبات تتوافق مع الضوابط الدستورية وتسمح بسلطة تقديرية للقاضي.

هذه المبادئ تشكل حجر الزاوية في فهم المنظومة القانونية التي تحكم قضايا السب والقذف في مصر، وتوضح كيفية موازنة الدستور بين الحقوق المتعارضة.

حرية التعبير أم حماية الحقوق: الموازنة الدستورية

تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير من أهم الركائز الأساسية في أي مجتمع ديمقراطي، وقد كفلها الدستور المصري بشكل واضح. ومع ذلك، فإن هذه الحرية، وإن كانت أساسية، ليست مطلقة، بل تخضع لضوابط وقيود تضمن عدم تعارضها مع حقوق وحريات الآخرين، وفي مقدمتها الكرامة الإنسانية والحق في الحياة الخاصة. هذا ما أكدت عليه المحكمة الدستورية العليا بوضوح، مشيرة إلى أن كفالة الدستور لحرية الفكر والرأي والحق في التعبير بالقول أو الكتابة أو النشر، لا يمكن أن تكون على حساب الافتئات على الكرامة الإنسانية أو العدوان على الحق في الحياة الخاصة للإنسان.

يأتي هذا التأكيد الدستوري ليضع حدًا للمناقشات التي قد تخلط بين حرية التعبير غير المسؤولة وبين الحق الأصيل في حماية سمعة وكرامة الأفراد. فإسناد وقائع لأشخاص، حتى لو كانت صادقة، قد يوجب عقابهم أو احتقارهم عند أهل وطنهم، وهذا ما يعتبره القانون مساسًا لا يمكن التغاضي عنه. هنا تتجلى حكمة المشرع في إقرار قاعدة "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة"، والتي تعني أن حماية الفرد من ضرر المساس بكرامته وسمعته لها الأولوية على أي منفعة قد تتحقق من كشف وقائع، حتى وإن كانت صحيحة، إذا كانت ستؤدي إلى ضرر لا يمكن تداركه. فالحق في الخصوصية وحماية السمعة هو جزء لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية، ولا يمكن لأي حرية، بما فيها حرية التعبير، أن تتعدى على هذا الحق الأساسي.

هذا يعني أن المسؤولية تقع على عاتق كل من يمارس حق التعبير، سواء كان صحفيًا، ناشطًا، أو مستخدمًا عاديًا لوسائل التواصل الاجتماعي. فالتعبير يجب أن يكون بناءً وهادفًا، وأن يلتزم بالحدود الأخلاقية والقانونية، وألا يتحول إلى أداة للتشهير أو الإساءة. هذا القرار يعزز من الثقافة القانونية التي تفصل بين النقد البناء والموضوعي وبين السب والقذف الذي يهدف إلى الإضرار بالأفراد.

العقوبات المقررة ودستوريتها: ضوابط التشريع الجنائي

فيما يتعلق بتشديد عقوبة جريمتي القذف والسب بطريق النشر، أكدت المحكمة الدستورية العليا في حكمها أن هذه العقوبات تستقيم مع الضوابط الدستورية المقررة في قضاء المحكمة. ويعود ذلك إلى كون هذه العقوبات تقع ضمن حدين أدنى وأقصى، مما يمنح محكمة الموضوع سلطة تقديرية واسعة في تحديد العقوبة المناسبة لكل حالة على حدة، بما يتناسب مع جسامة الفعل وملابساته. كما أن هناك إمكانية لإيقاف تنفيذ هذه العقوبات عملًا بالحق المقرر لمحكمة الموضوع بمقتضى المادة (55) من قانون العقوبات، وهو ما يضيف مرونة للقضاء ويسمح بمراعاة الظروف الشخصية للمتهمين.

وبناءً عليه، فإن تجريم أفعال القذف والسب العلني في حق آحاد الناس بطريق النشر والعقاب عليها يعتبر موافقًا لأحكام الدستور. هذا التأكيد على دستورية العقوبات يبعث برسالة واضحة بأن القانون جاد في حماية سمعة الأفراد وكرامتهم، وأن أي تجاوز في استخدام وسائل النشر للتشهير أو الإساءة سيواجه بالعقوبة القانونية المناسبة. ولا يتعارض هذا مع مبادئ العدالة، بل هو تعزيز لها، فالعقوبة ليست انتقامًا، بل هي ردع وإصلاح، وتوازن بين حقوق المتضررين وحقوق المتهمين.

يجب على الأفراد ووسائل الإعلام على حد سواء أن يدركوا أن حرية النشر تأتي مصحوبة بمسؤولية، وأن استخدام هذه الحرية بطريقة تضر بالآخرين ستكون له تبعات قانونية. هذا الحكم يرسخ مبدأ هامًا في النظام القانوني المصري، وهو أن المشرع الدستوري والقاضي الدستوري يسعيان إلى إقامة توازن بين الحقوق والحريات المختلفة، بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى. فحرية التعبير، بالرغم من أهميتها، لا يمكن أن تتحول إلى فوضى تضر بالأفراد وتهدد السلم الاجتماعي.

خلاصة القول، إن قرار المحكمة الدستورية العليا في مصر بشأن دستورية عقوبات السب والقذف بالنشر يمثل محطة مهمة في مسار تطوير التشريعات المتعلقة بحرية التعبير وحماية الكرامة الإنسانية. هذا الحكم لا يقيد حرية الرأي بقدر ما ينظمها، ويضع لها إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا يضمن استخدامها بمسؤولية واحترافية. يجب على الجميع، من صحفيين وإعلاميين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أن يعوا جيدًا أبعاد هذا الحكم، وأن يلتزموا بالضوابط القانونية والأخلاقية عند ممارسة حقهم في التعبير، لضمان بناء مجتمع يحترم الحقوق ويصون الكرامات.

  • المحكمة الدستورية العليا أكدت أن الكرامة الإنسانية مبدأ دستوري علوي يجب صونه وحمايته.
  • حرية التعبير ليست مطلقة وتخضع لقيود تمنع المساس بالكرامة والحياة الخاصة للأفراد.
  • عقوبات السب والقذف بالنشر دستورية وتمنح القضاء مرونة في التقدير والتطبيق.
  • الحكم يرسخ قاعدة "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة" في حماية سمعة الأفراد.
في الختام، يُعد حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن دستورية عقوبات السب والقذف بالنشر علامة فارقة في المنظومة القانونية المصرية، حيث يعيد التأكيد على التوازن الدقيق بين حرية التعبير وضرورة حماية الكرامة الإنسانية وحقوق الأفراد. هذا القرار، الذي يعكس فهمًا عميقًا لتحديات العصر الرقمي، يدعو الجميع إلى ممارسة حقوقهم بمسؤولية ووعي، بعيدًا عن التشهير والإساءة. إنه بمثابة دعوة لتأمل دورنا في تشكيل فضاء عام يحترم الجميع ويصون كرامتهم.

المصادر

أسئلة متعلقة بالموضوع
أضف تعليقك هنا وشاركنا رأيك
أضف تقييم للمقال
0.0
تقييم
0 مقيم
التعليقات
  • فيس بوك
  • بنترست
  • تويتر
  • واتس اب
  • لينكد ان
  • بريد
author-img
د.محمد بدر الدين

محرر صحفي وكاتب | أسعى لتقديم محتوى مفيد وموثوق. هدفى دائما تقديم قيمة مضافة للمتابعين.

إظهار التعليقات
  • تعليق عادي
  • تعليق متطور
  • عن طريق المحرر بالاسفل يمكنك اضافة تعليق متطور كتعليق بصورة او فيديو يوتيوب او كود او اقتباس فقط قم بادخال الكود او النص للاقتباس او رابط صورة او فيديو يوتيوب ثم اضغط على الزر بالاسفل للتحويل قم بنسخ النتيجة واستخدمها للتعليق

اكتب تعليقك هنا - للعلم - التعليقات المسيئة سيتم حذفها