تم النسخ!
حكم تاريخي للمحكمة الدستورية: دستورية عقوبات السب والقذف بالنشر في مصر
![]() |
المحكمة الدستورية العليا تؤكد دستورية عقوبات السب والقذف |
تفاصيل حكم المحكمة الدستورية: صون الكرامة الإنسانية كقيمة عليا
المحكمة شددت على أن الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (302) من قانون العقوبات قد أكد على إعلاء مبدأ الكرامة الإنسانية وصونها، مؤثرًا ذلك على ما قد يحققه إثبات القذف في حق آحاد الناس من عقاب المجني عليه عن وقائع، وإن صح اقترافه لها. هذا المبدأ مستمد من قاعدة شرعية وقانونية أساسية حاصلها أن "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة". فالمحكمة أيقنت أن المساس بالكرامة الإنسانية يلحق بالمجني عليه ضررًا جسيمًا يصعب جبره أو تداركه، مما يجعل حماية الكرامة أولوية قصوى. هذا التفسير العميق لا يكتفي بمنع الضرر المباشر، بل يمتد ليشمل الأضرار النفسية والاجتماعية التي قد تنتج عن السب والقذف، والتي غالبًا ما تكون أشد وأعمق أثرًا. فالقانون هنا لا يعاقب على الكذب فقط، بل على الفعل الذي يمس الكرامة حتى لو كان صحيحًا إذا تجاوز الحدود المقررة.
ويأتي هذا التأكيد الدستوري في وقت تتزايد فيه تحديات النشر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث باتت الإساءة والتشهير أسهل انتشارًا وأصعب سيطرة، مما يجعل دور القضاء في حماية الأفراد من هذه التجاوزات أكثر أهمية من أي وقت مضى. فالقرار يؤسس لثقافة مجتمعية تحترم الخصوصية والكرامة، وتدفع نحو استخدام حرية التعبير بمسؤولية ووعي، بعيدًا عن الإفلات من العقاب تحت دعاوى الحرية المطلقة.
أهم المبادئ الدستورية التي استند إليها حكم المحكمة
المبدأ الدستوري | الشرح |
---|---|
صون الكرامة الإنسانية | التزام الدولة بحماية كرامة الأفراد ومنع المساس بها بأي تشريع أو فعل. |
حدود حرية التعبير | حرية الرأي والتعبير ليست مطلقة ولا تجيز الاعتداء على الكرامة أو الحياة الخاصة. |
دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة | تغليب حماية الأفراد من الأضرار الجسيمة (المساس بالكرامة) حتى لو ترتب على ذلك عدم كشف وقائع معينة. |
دستورية العقوبات | العقوبات المقررة في قانون العقوبات تتوافق مع الضوابط الدستورية وتسمح بسلطة تقديرية للقاضي. |
هذه المبادئ تشكل حجر الزاوية في فهم المنظومة القانونية التي تحكم قضايا السب والقذف في مصر، وتوضح كيفية موازنة الدستور بين الحقوق المتعارضة.
حرية التعبير أم حماية الحقوق: الموازنة الدستورية
يأتي هذا التأكيد الدستوري ليضع حدًا للمناقشات التي قد تخلط بين حرية التعبير غير المسؤولة وبين الحق الأصيل في حماية سمعة وكرامة الأفراد. فإسناد وقائع لأشخاص، حتى لو كانت صادقة، قد يوجب عقابهم أو احتقارهم عند أهل وطنهم، وهذا ما يعتبره القانون مساسًا لا يمكن التغاضي عنه. هنا تتجلى حكمة المشرع في إقرار قاعدة "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة"، والتي تعني أن حماية الفرد من ضرر المساس بكرامته وسمعته لها الأولوية على أي منفعة قد تتحقق من كشف وقائع، حتى وإن كانت صحيحة، إذا كانت ستؤدي إلى ضرر لا يمكن تداركه. فالحق في الخصوصية وحماية السمعة هو جزء لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية، ولا يمكن لأي حرية، بما فيها حرية التعبير، أن تتعدى على هذا الحق الأساسي.
هذا يعني أن المسؤولية تقع على عاتق كل من يمارس حق التعبير، سواء كان صحفيًا، ناشطًا، أو مستخدمًا عاديًا لوسائل التواصل الاجتماعي. فالتعبير يجب أن يكون بناءً وهادفًا، وأن يلتزم بالحدود الأخلاقية والقانونية، وألا يتحول إلى أداة للتشهير أو الإساءة. هذا القرار يعزز من الثقافة القانونية التي تفصل بين النقد البناء والموضوعي وبين السب والقذف الذي يهدف إلى الإضرار بالأفراد.
العقوبات المقررة ودستوريتها: ضوابط التشريع الجنائي
وبناءً عليه، فإن تجريم أفعال القذف والسب العلني في حق آحاد الناس بطريق النشر والعقاب عليها يعتبر موافقًا لأحكام الدستور. هذا التأكيد على دستورية العقوبات يبعث برسالة واضحة بأن القانون جاد في حماية سمعة الأفراد وكرامتهم، وأن أي تجاوز في استخدام وسائل النشر للتشهير أو الإساءة سيواجه بالعقوبة القانونية المناسبة. ولا يتعارض هذا مع مبادئ العدالة، بل هو تعزيز لها، فالعقوبة ليست انتقامًا، بل هي ردع وإصلاح، وتوازن بين حقوق المتضررين وحقوق المتهمين.
يجب على الأفراد ووسائل الإعلام على حد سواء أن يدركوا أن حرية النشر تأتي مصحوبة بمسؤولية، وأن استخدام هذه الحرية بطريقة تضر بالآخرين ستكون له تبعات قانونية. هذا الحكم يرسخ مبدأ هامًا في النظام القانوني المصري، وهو أن المشرع الدستوري والقاضي الدستوري يسعيان إلى إقامة توازن بين الحقوق والحريات المختلفة، بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى. فحرية التعبير، بالرغم من أهميتها، لا يمكن أن تتحول إلى فوضى تضر بالأفراد وتهدد السلم الاجتماعي.
خلاصة القول، إن قرار المحكمة الدستورية العليا في مصر بشأن دستورية عقوبات السب والقذف بالنشر يمثل محطة مهمة في مسار تطوير التشريعات المتعلقة بحرية التعبير وحماية الكرامة الإنسانية. هذا الحكم لا يقيد حرية الرأي بقدر ما ينظمها، ويضع لها إطارًا قانونيًا وأخلاقيًا يضمن استخدامها بمسؤولية واحترافية. يجب على الجميع، من صحفيين وإعلاميين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أن يعوا جيدًا أبعاد هذا الحكم، وأن يلتزموا بالضوابط القانونية والأخلاقية عند ممارسة حقهم في التعبير، لضمان بناء مجتمع يحترم الحقوق ويصون الكرامات.
- المحكمة الدستورية العليا أكدت أن الكرامة الإنسانية مبدأ دستوري علوي يجب صونه وحمايته.
- حرية التعبير ليست مطلقة وتخضع لقيود تمنع المساس بالكرامة والحياة الخاصة للأفراد.
- عقوبات السب والقذف بالنشر دستورية وتمنح القضاء مرونة في التقدير والتطبيق.
- الحكم يرسخ قاعدة "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة" في حماية سمعة الأفراد.